Faculté d'Économie et de Gestion

لبنان اليوم... بين تداعيات المسار وإمكانات النهوض

vendredi 04 avr. 2014
لبنان اليوم... بين تداعيات المسار وإمكانات النهوض
لبنان اليوم... بين تداعيات المسار وإمكانات النهوض
لبنان اليوم... بين تداعيات المسار وإمكانات النهوض
لبنان اليوم... بين تداعيات المسار وإمكانات النهوض
لبنان اليوم... بين تداعيات المسار وإمكانات النهوض
لبنان اليوم... بين تداعيات المسار وإمكانات النهوض
لبنان اليوم... بين تداعيات المسار وإمكانات النهوض
Partager

"لبنان اليوم... بين تداعيات المسار وإمكانات النهوض" في جامعة الحكمة كان "لبنان اليوم... بين تداعيات المسار وإمكانات النهوض" محور المؤتمر السنوي العاشر الذي اقامته جامعة الحكمة في صرحها الرئيسي في فرن الشباك، وشارك فيه، إلى وليّ الجامعة المطران بولس مطر ورئيسها المونسنيور كميل مبارك، الرئيس حسين الحسيني، ووزراء ونواب حاليون وسابقون وممثلو القيادات والهيئات القضائية والأمنية والعسكرية والتربوية والإجتماعية رؤساء جامعات وأصحاب إختصاص في عالم السياسة والقانون والمال والأعمال وخبراء وآكاديميون.

 

افتتح المؤتمر بالنشيد الوطني اللبناني وبكلمة امين عام الجامعة الدكتور انطوان سعد قدم فيها المؤتمر واشكالياته وقال:" لبنان اليوم لا يشبه أيام لبنان فالجسد الوطني المنهك أقعدته المعاناة، إذ تكسّرت عليه نصال الأزمات، المزمنة والمستجدّة، وتقاطعت على أرصفته تحوّلات ينتجها الخارج وتتفاعل في الداخل... وتعرفون النتائج وكل التداعيات. إنه لأمر مثير ومقلق حقاً أن يكون الوطن ذات السيرة الحضارية العريقة والمسيرة الديمقراطية الرائدة سائراً اليوم على قارعة المجهول يلامس بإسم الديمقراطية حافة الفراغ ويتلّمس، وبأية صعوبة، سبل النجاة. وهو لأمر مريب وكئيب أيضاً أن تمتلئ المقاعد بالمتفرّجين وتخلو الساحة أو تكاد من المنقذين الفاعلين، كأن الإستنكاف أصبح موقفاً معتمداً أو متّعمداً يكّمل موقف النأي بالنفس أو كأن ذلك المبدأ الحكومي المعلن تجاه الخارج قد انسحب على الداخل فشرّع استقالة الجميع من دور للجميع في عملية الإنقاذ. هذا المشهد الإستثنائي لواقعنا اليوم يقودنا الى التساؤل: هل ان قدرة اللبنانين قادة وساسة ومفكّرين محدودة حقاً أم محددة واقعاً من قِبل القوى التي تنتج الظروف وتبرمج المواقف وتتحكّم عن بعد بالمواقع والتحرّكات؟ ونرى بأن إمكانية الخروج من هذه الحلقة القاتمة ليست ممتنعة ولا ممنوعة، فالوعي المشترك، الموضوعي والمتجرّد، والمقاربات الهادئة والهادفة تقود الى التشخيص السليم، والتشخيص يقود الى البحث عن المعالجات وسبل النهوض. تلك الدوافع والإعتبارات الملحّة هي التي حملت جامعتنا على تكريس مؤتمرها السنوي هذا عن "لبنان اليوم المتأرجح بين تداعيات المسار وإمكانات النهوض" وقد فرض الموضوع نفسه إزاء الخطر المحدق الذي يستوجب إدخال البلاد غرفة العناية المركّزة...ولكن هل ثمّة من يعتنون أو يركّزون؟

 

ثم القى المونسنيور مبارك كلمة الجامعة حيا فيها المشاركين في المؤتمر، وجاء فيها:" دعوتُنا لهذا المؤتمر الذي يجمع كوكبة من نخبة اهل الفكر والرأي في الشؤون الوطنيّة، تهدف من جُملة ما تهدف، الى تضامن القطاع الخاص مع أهل القرار من أجل البلوغ الى خواتيم سليمة، لان الأزمات التي تهدد لبنان في هذه الفترة من تاريخه تزداد حدَّة وضراوة وتحمل تداعيات خطيرة ممَّا يضع الوطن والدولة والشعب امام اسئلة مصيريَّة تتطلَّب مقارباتٍ جديَّة ومعالجاتٍ مُلحَّة في مختلف الاتجاهات.

 

وإذا ما تداخلت في لبنان اسباب الازمات ونتائجُها أفقيًا وعموديًا وخارجيًا وداخليًا، إلاّ أَنَّ إمكانات النهوض ليست مستحيلة إذا ما توفر للبنانيين حدّ من الوعي لما يصيبهم، ومن القلق ممَّا ينتظرُه مستقبلُهُم، ومن السعي الى التغيير بواسطة خيارات وقيادات عودتنا على الثقة بنهجها الوطني.

 

واعتبر بإن القراءات الوصفية والنقدية لواقع لبنان اليوم تؤسس لهذا الوعي المطلوب، فندخلُ معًا الى جوهر المعاناة وأَسبابها، ونتلمَّس تداعياتها الموجعة على كلِّ مفاصل الوطن، ونسعى مع الساعين الى استنباط الحلول، مدركين تمام الادراك، أنَّ المطلوبَ ثورةٌ على الذات، قبل الثورة على السلطة، لمحاولة إصلاح ما فسد، من أجل ايجاد العلاج الدائم بلا قتل ولا معوقين ولا تصفيات ولا يتامى. ذاك أنّ الحريّة والاصلاح لا يقاسان بخيارات طالبيهما، بل بارتباطهما بالحقيقة والعدالة والخير العام، وإلاّ انقلبا الى فوضى وشكَّلا خطرًا على الوطن والشعب.

 

ثم القى راعي المؤتمر المطران مطر كلمة عرض فيها للأوضاع اللبنانية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وقال:"أُرحِّبُ بكم أجملَ ترحيبٍ يا أهلَ الحكمةِ ومُحبِّيها، وقد التَقَيتُم في بيتِها وفي رِحابِ جامعتِها، وافِدِينَ من كلِّ مناطقِ لبنانَ ومُنتَمِينَ إلى كلِّ أطيافِهِ الرُّوحيَّةِ العزيزةِ، لِتَتَباحثُوا حَولَ الأوضاعِ الَّتي تَمرُّ بها البلادُ في الزَّمنِ الرَّاهِنِ. فلَعلَّ التَّفكيرَ المُشترَكَ في مثلِ هذه الأمورِ يُساعدُ على بَلوَرَةِ الحقائق وكَشفِ أفاقٍ جديدةٍ نتطلَّعُ إليها معكم في القابِلِ من الأيَّامِ.

 

وإنِّي أشكرُ حضرةَ رئيسِ الجامعة، المونسنيور العزيز كميل مبارك، ونوَّابَ الرَّئيسِ فيها والعمداءَ والمُعلِّمين، على دَعوتِهِ إيَّاكُم للاشتراكِ في هذا المؤتمرِ السَّنويِّ للجامعة، ولاختيارِهِ العنوانَ الآتي: «واقعُ لبنانَ بين تَدَاعياتِ المَسارِ وإمكانيَّاتِ النُّهُوض». وأَتَوجَّهُ أيضًا بالشُّكرِ الخالصِ من أئمَّةِ الفكرِ الوطنيِّ الكبار الَّذين سَيَرئسونَ جلساتِ هذا المؤتمرِ تِباعًا، وهُم بتراتبِ إطلالتِهِم دولة الرَّئيس الصَّديق السيد حسين الحسيني، ومعالي الوزير الصَّديق الدكتور جورج قرم، ومعالي الوزير الصَّديق ورئيس الجامعة اللبنانيَّة الدكتور عدنان السيد حسين الجزيل احترامهم. كما أشكرُ مُسبقًا على ما سيتفضَّل به في هذا المؤتمرِ من سِعَةِ عِلمِهِم، وعُمقِ اختباراتِهِم في الشَّأنِ الوطنيِّ العامِّ، السادة المحاضرون الَّذين سيُقدِّمون مُداخلاتٍ نََتَلمَّسُ غِنَاهَا من عَناوِينِها، ونَترقَّبُ أن تُسلِّطَ الضَّوءَ على حقيقةِ لبنانَ من كلِّ جَوانبِها، واقعًا ومُرتَجَى، فَيَصِلَ المؤتمرُ الَّذي تَعقدُون إلى الغايةِ المَنشودةِ منهُ، ألا وهي خدمةُ وطنِنا العزيزِ وجميعِ مُواطنِيهِ.

 

أضاف:"سوف نستمعُ بكلِّ شوقٍ إلى الآراء تُدلَى حَولَ أزمةِ المَسارِ الَّتي يَتخبَّطُ بها لبنانُ، وهي أزمةٌ لها تَداعِياتُها الكثيرةُ. ومن الضَّروريِّ لذلك أن نَعُودَ إلى سياقِ التَّاريخِ القديمِ منهُ والحديثِ الَّذي عبَرَهُ لبنانُ، والَّذي يَعبرُهُ اليومَ مع دُوَلِ المنطقةِ بأسرِها. إنَّ الظَّرفَ مُلائمٌ في الوقت الرَّاهن، وبخاصَّةٍ لأنَّنا بعدَ ستِّ سنواتٍ من اليومِ ستكونُ لنا وقفةٌ يوبيليَّةٌ هامَّةٌ في مناسبةِ مُرُورِ مئةِ عامٍ على قيامِ دولةِ لبنانَ الكبيرِ. هي دولةٌ أَعلَنَها الانتدابُ الفرنسيُّ وقَبِلَ بها مؤتمرُ الصُّلح في فرساي على إثرِ الحربِ العالميَّةِ الأولى. لكنَّها أيضًا دَولةٌ حَلِمَ بها وأرادَها شعبٌ مُناضِلٌ شُغِفَ بالحرِّيَّةِ والمُواطنةِ وَسطَ أمبراطوريَّاتٍ لم تَكُن تُقِيمُ وَزنًا لِمِثلِ هذه القِيَمِ الكُبرى. ما كان الإجماعُ كاملاً في البدايةِ حَولَ فكرةِ هذا الوطنِ، لكنَّه كانَ قائِمًا وحقيقيًّا، والتَّاريخُ يَشهَدُ أنَّهُ قد تَعاظمَ وَتَكاملَ عَبرَ مَسَارٍ وحدويٍّ عرفَهُ لبنانُ طوالَ قرنٍ مَضَى. وقد ثَبُتَ معهُ أنَّ أَزمةَ عُبُورِ الوطنِ اللبنانيِّ إلى مستوى دولةٍ قائمةٍ ذاتِ سيادةٍ لم تَكُن سِوَى أزمةِ نُمُوٍّ وارتقاءٍ حقيقيٍّ على صعيدِ المنطقةِ بأَسرِها. كَمْ تَحدَّثََ البعضُ عن الكيانِ اللبنانيِّ وَاصِفًا إيَّاهُ بالمُصطَنَع، وكأنَّه كيانٌ مَعزُولٌ عن أمَّةٍ وعن مُحيطٍ أوسع. لكنَّ هذه الآراءَ أصابَت تراجُعًا كبيرًا بِمقدارِ ما بَرَزَ لبنانُ رسالةً في العيشِ المشتركِ السَّويِّ وفي المُواطنةِ الحقَّةِ والحرِّيَّةِ الكاملةِ لِلعبادةِ ولِلضَّميرِ، المُعتَرَفِ بها لِكلِّ فردٍ وجماعةٍ، في ظِلِّ دولةٍ مدنيَّةٍ تُؤدِّي الإجلالَ لله وتَستَلهِمُ القِيَمَ الإيمانيَّةَ الَّتي تُقدِّمُها لها أديانُ شَعبِها. حتَّى أنَّنا بُتنا على يقينٍ من أنَّ لبنانَ هذا يَستطيعُ أن يلعبَ دَورًا أساسيًّا في انتقالِ منطقتِهِ كلِّها إلى حالِ المُواطنةِ الَّتي تُؤمِّنُ لِلجماعاتِ فيها مصيرًا مُطَمئنًا بفعلِ المُؤالفةِ فيما بينها، وبفضلِ اعترافِ الدَّولةِ بِعطاءاتِ كلِّ مُكوِّنٍ من مُكوِّناتِها وإبرازِ هذه العطاءاتِ إلى حيِّزِ الوُجُودِ. هكذا تَطوَّرَ المَسارُ اللبنانيُّ بتأرجحِهِ بين انعزالٍ واندماجٍ حتَّى بلغَ قمَّةَ التأليفِ بينَ هاتَين الحركتَين والمُصَالحةَ الهادِفَةَ بينَ الوحدةِ والتَّنوُّعِ، سياسيًّا وثقافيًّا فَظَهَرَ في منطقتِهِ وفي العالمِ مُواكِبًا لِحركةِ التَّاريخِ لا مُعاكِسًا لها ولا خارِجًا عنها.

 

وأعلن:" هذا على مستوى كيانِنا الوطنيِّ. وهنا يُطرَحُ علينا السُّؤالُ التّاَلي: هلْ أنَّ الدَّولةَ الَّتي أَنشَأنَاهَا والدُّستورَ الَّذي ارتَضَينَاهُ والنِّظامَ الَّذي نَحيَا في ظِلِّهِ، تَعرفُ كلُّها مسارًا متقدِّمًا أمْ هي الآنَ عُرضَةٌ لِتَداعياتٍ خطيرةٍ من شأنِها أن تُهدِّدَ الكيانَ نفسَهُ بِالضَّياعِ؟ ما من شكٍّ في أنَّ هذا المؤتمرَ سَيَتطرَّقُ لِهذه التَّداعياتِ أو لِلمصاعب الَّتي تَمرُّ بها الحياةُ السِّياسيَّةُ في البلادِ، وأنَّ المُحاضِرِين الأعزَّاءَ سَيُحاوِلُونَ طرحَ الحُلُولِ المُمكِنَةِ لارتقاءِ لبنانَ إلى مَصافِ البلدانِ المستقرَّةِ في حياتِها الدِّيمقراطيَّةِ، وذلك بعدَ كشفِ النَّواقصِ الَّتي يَعتَرِيها نظامُ حُكمِنَا وهيكليَّة الدَّولةِ الَّتي أقَمنَاها والدُّستورُ الَّذي ارتَضَينَاهُ. لكنْ ما نَستطيعُ أن نُؤكِّدَهُ مُسبَقًا، هُو ضرورةُ الأخذِ بِعَينِ الاعتبارِ أنَّ الدَّولةَ والدُّستورَ والنِّظامَ لا يُمكِنُ أن تُلغَى من الوُجُودِ وأن تُستَبدَلَ بِغيرِها، وكأنَّ التَّجربةَ اللبنانيَّةَ في هذا المجالِ لا قيمةَ لها أو هي خالِيَةٌ من الإيجابيَّاتِ. فليس ضروريًّا قتل المريضِ ثمَّ إحياؤه من جديدٍ، بلْ يَجبُ التَّدخُّلُ في أيَّةِ عمليَّةٍ تُجرَى على هذا الجسمِ الوطنيِّ، على أساسِ إبقائِهِ على قَيدِ الحياةِ وتَحسينِ أوضاعِهِ بِصورةٍ تُعيدُ إليه عافيتَهُ وَنشاطَهُ.

 

نحنُ لنا دولةٌ قائمةٌ منذُ قرنٍ من الزَّمنِ وهي مُستقلَّةٌ منذُ سَبعينَ من السَّنَواتِ. فَهلْ نُعرِّضُ دَولتَنا لِلانهيارِ فيما الشُّعوبُ تَسعَى بكلِّ جَوارِحِها إلى قيامِ دُوَلٍ لَها إذا كانت بِدونِ دولةٍ بعدُ؟ لقد اكتَشَفنا مع الزَّمنِ أنَّ دِيمُقراطيَّتَنَا يجبُ أن تكونَ على صُورةِ شعبِنا ومِثَالِهِ، أيْ مَبنيَّةً على التَّوافقِ في الأساسِ وعلى العقدِ الاجتماعيِّ التَّامِ بَينَ أطيَافِهِ بِغيةَ إنشاءِ وطنٍ واحدٍ وَصَوغِ مصيرٍ واحدٍ. قد نَكونُ مَرَرنَا مع الزَّمنِ بِحالاتِ استئثارٍ في الحُكمِ تَنقَّلَت من يَدٍ إلى يَدٍ. وهذه ليست موضوعَ قبولٍ لَدَى شعبٍ ضَنينٍ بِحُرِّيَّتِهِ مثلما هو ضَنينٌ بعيشِهِ المشتركِ. لذلك يُصبحُ ضَروريًّا أن نَلجَأَ إلى الحوارِ بِصُورةٍ مُستمرَّةٍ، وذلك بغية تَثبيتِ الكيانِ الوطنيِّ، والمُبادَرَةِ إلى أيِّ إصلاحٍ يَأخذُ المِيثَاقيَّةَ بِعَينِ الاعتبارِ ويُعَزِّزُها لِيَكونَ إصلاحًا ناجحًا. ومن غيرِ المَقبولِ في كلِّ هذه المُحاولاتِ أن يُشَكِّكَ بعضُنا بِبَعضٍ أو أن نَتبادلَ انتزاعَ الصِّفَةِ الوطنيَّةِ أحدُنا من الآخر. إنَّ لبنانَ كان سبَّاقًا في المنطقةِ المُحِيطَةِ إلى وَضعِ دُستُورٍ عَصريٍّ يَحتَوِي على إيجابيَّاتٍ جَوهرِيَّةٍ، كالمساواةِ في المواطنةِ بين الحقوقِ والواجباتِ، واحترامِ الحرِّيَّاتِ ومنها حرِّيَّةُ الضَّميرِ الَّتي تُشكِّلُ نقلةً نوعيَّةً فريدةً بالنِّسبةِ إلى دساتير الدُّوَلِ المُجَاوِرةِ. إلاَّ أنَّ البعضَ يأخذُ على لبنانَ أنَّه رسَّخَ في حُكمِ ذاتِهِ نِظامًا طائفيًّا لا يَرَونَ له مثيلاً في كثيرٍ من الدُّوَلِ. إنَّ هذا النِّظامَ قد تَأتَّى من عَقَباتِ التَّاريخِ، حيثُ كانت الأمبراطوريَّاتُ تَعملُ بِدَساتير مُختَزَلةٍ إلى أقصى الحدودِ، وَتُمَايِزُ في رَعَايَاهَا بينَ جماعةٍ وجماعةٍ. فاتُّخِذَ النِّظامُ الطائفيُّ وَسيلةً لِضَمانِ المُشاركةِ بين كلِّ الجماعاتِ في حُكمِ بُلدانِها، ولِتَخَطِّي الفُرُوقاتِ التي أقيمت بينَها على مَدَى قُرونٍ من الزَّمنِ. لكنَّ المُستقبلَ مَفتوحٌ لِلتَّطوِّرِ وهو مُرتَبطٌ بِجُهودٍ يجبُ أن تُبذَلَ على صَعيدِ المنطقةِ بِأَسرِها، وبِخاصَّةٍ في هذه الحقبةِ الرَّهيبةِ الَّتي نَعرفُها اليومَ. فقضيَّةُ الحكم ليست في الشَّرقِ قضيَّةً سياسيَّةً بَحتَةً، بلْ هي أيضًا قضيَّةٌ ثقافيَّةٌ اختصرَها السِّينودسُ من أجلِ الشَّرقِ الأوسطِ بِدَعوَتِهِ إلى نَشرِ رُوحِ المُواطنةِ في كلِّ الدُّوَلِ، واعتناقِها حرِّيَّة الضَّميرِ بِكلِّ أبعادِها.

 

كلُّ هذه القضايا تَحتاجُ إلى فكرٍ مُعَمَّقٍ وإلى جوِّ سلامٍ نابعٍ من قُبُولِ الآخر بِغيةَ تَطويرِ الشَّرقِ بِأسرِهِ وإعادتِهِ إلى العافيةِ والإبداعِ. لذلك يُطلَبُ من الجامعاتِ في بلادِنا وفي غيرِها أن تَكونَ هي المَساحةَ المُؤمِّنةَ لِلفكرِ المُبدِعِ والأبحاثِ الهادئةِ والواعِدَةِ. وَلنَذكُر في هذا المجالِ أنَّ المعلِّمَ الكبيرَ أفلاطون رَأَى، في القرنِ الخامسِ قبلَ المسيح، أنَّ إصلاحَ أثينا الغائِصَةِ في فَوضَى السِّياسةِ لا يُمكنُ أن يَتمَّ من دونِ الاستِعَانةِ بالجامعةِ واللُّجُوءِ إلى الفكرِ الخلاَّقِ في صِناعةِ الدُّوَلِ.