About Uls

جامعة الحكمة كرّمت الدكتور حبيب أبو صقر وأطلقت اسمه على إحدى قاعاتها

Monday 30 May 2016
جامعة الحكمة كرّمت الدكتور حبيب أبو صقر وأطلقت اسمه على إحدى قاعاتها
جامعة الحكمة كرّمت الدكتور حبيب أبو صقر وأطلقت اسمه على إحدى قاعاتها
جامعة الحكمة كرّمت الدكتور حبيب أبو صقر وأطلقت اسمه على إحدى قاعاتها
جامعة الحكمة كرّمت الدكتور حبيب أبو صقر وأطلقت اسمه على إحدى قاعاتها
جامعة الحكمة كرّمت الدكتور حبيب أبو صقر وأطلقت اسمه على إحدى قاعاتها
جامعة الحكمة كرّمت الدكتور حبيب أبو صقر وأطلقت اسمه على إحدى قاعاتها
Share

كرمت جامعة الحكمة الدكتور حبيب أبو صقر، نائب رئيس الجامعة السابق والعميد المؤسس لكليّة العلوم الإداريّة والماليّة فيها بإطلاق اسمه، على إحدى قاعات المحاضرات في صرحها الرئيسي في فرن الشبّاك، في احتفال دعا إليه الخوري خليل شلفون رئيس الجامعة، ورعاه رئيس أساقفة بيروت وليّ الحكمة، المطران بولس مطر بحضور النائب البطريركي المطران بولس عبد الساتر، ممثلًا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ووزراء ونواب حاليين وسابقين وشخصيات روحيّة وسياسية وعسكريّة واجتماعيّة وممثلين عن المؤسسات والهيئات القضائيّة والماليّة والمصرفيّة والعسكريّة والأمنيّة ورئيسي الجامعة السابقين النائب العام لأبرشيّة بيروت المونسنيور جوزف مرهج والمونسنيور كميل مبارك ونائب رئيس الجامعة الخوري دومينيك لبكي والأمين العام د. أنطوان سعد وعمداء كلياتها وأساتذة، وعائلة المحتفى به وأصدقائه وزملائه في الإدارة اللبنانيّة.

 

النشيد الوطني افتتاحا ثم كلمة تقديم وتعريف لمسؤولة العلاقات العامة والاتصال في الجامعة الأنسة، لارا مغاريقي، جاء فيها:

تشاركون اليوم الجامعة وعائلتها بتحية كبيرٍ منها، باقٍ فيها من خلال ما قدّم، وهو من زرع وسقى وجنى الغلال الوفيرة

الدكتور حبيب ابو صقر هو رمز باقٍ في قلب الجامعة وفي وجدان أجيالها والخرّيجين ...ترك مرورُه فيها علامةً فارقة عِلماً وقيماً ومبادئ سامية. في تكريم

الدكتور حبيب ابو صقر كلمات صادرة من القلب والعقل، تعكس في جوهرها ما يَشعُر به جميع الحاضرين بل جميع محبّي الدكتور المكرّم.

 

الخوري شلفون

 

ثمّ ألقى الخوري شلفون كلمة جاء فيها:

تعود معرفتي الشخصيّة بالدكتور حبيب أبو صقر الى ما قبل إنشاء جامعة الحكمة. فحين تعينت كاهنًا لرعية سيدة لورد عين الرمانة – فرن الشباك، في تشرين الأول عام 1994 تعرّفت الى الدكتور حبيب والى عائلته، وهم يقطنون في جوار الكنيسة، ورغم انتمائهم الى الرعيّة الأصل بسوس، كانوا مواظبين على المشاركة في جميع الاحتفالات الدينية. وكان السرور مضاعفُا ان اتعرّف ايضًا، من خلال شخصه المؤمن والملتزم في كنيسته، اليه مديرًا عامًا لوزارة المالية (منذ 1992). فطلبت منه بعد فترة وجيزة ان يكون عضوًا في المجلس الرعوي لكي تستفيد الرعيّة من خبراته الكثيرة في مجال الإدارة والمال، وهو الذي أطلق ورشة اصلاح في الإدارة الماليّة، أصبحت نموذجًا في عملية الإصلاح والعصرنة في لبنان وإعادة بناء الدولة والمؤسسات.

وكما في الوزارة كذلك في الرعيّة عرفته مساهمًا بأفكاره الغنية إنطلاقًا من إيمانه العميق ومحبته لكنيسته فتقدمنا سويًّا، من خلال لجنة الوقف، في العمل الرعوي النهضوي باستمرار: تطوير في بناء في الكنيسة، إعادة تأهيل الكنيسة، الاجراس، شراء الأرض للمواقف... والورشة لاتزال قائمة. فكنيسة لورد التي كانت متراسًا خلال فترات الحرب الاهليّة وشاهدة على آلاف الضحايا والشهداء، أردناها معًا متراسًا للمؤمنين وشاهدة لالتزامهم الكنسي والاجتماعي والوطني.

 

عرفت في الدكتور حبيب ذلك الرجل الكبير والمتواضع في آنٍ، فالإدارة هي رسالة ورؤية خدمة وليست ملاذًا للمنتفعين، وهو الذي صعد في سلّم المسؤوليات الوظيفية من القاعدة حتى القمة، وتفانى في خدمة الوطن والمواطنين بسعة علمه وبأخلاقه الرفيعة وآرائه الخصبة وطروحاته الجديدة.

 

وبعد إحالته على التقاعد وابتعاده عن الإدارة العامة عام 2000، دعاه المونسنيور جوزف مرهج، النائب العام لأبرشية بيروت والذي كلّفه سيادة المطران بولس مطر وليّ الجامعة والمشرف عليها برئاسة الجامعة، ليكون عميدًا لكلية العلوم الإدارية والمالية، المؤسسة حديثًا، وكان قد تعرّف عليه من خلال المجلس الاقتصادي الابرشي. واستفادت الأبرشية من خبراته ونصائحه.

 

ابتدأت المرحلة الجديدة فكان هو العميد المؤسس لكلية العلوم الإدارية والمالية – وابتدأت الكليّة بغرفة للطلاب، ناهز عددهم السبعين. وهي اليوم قاعة المؤتمرات هذه، وكان مكتبه متواضعًا بالقرب من هذه القاعة التي سوف تحمل اسمه. بدأت مسيرة المناهج وتفرّعت الاختصاصات بحسب سوق العمل وراح العدد ينمو ويكبر، والتحدي الأكبر كان في كيفية التوفيق بين التطوّر السريع في العدد وتطوير المناهج والمباني والتشديد على الجودة والنوعية: فالتفَّت حوله كوكبة من المساعدين والاداريين والاساتذة الذين ساعدوا عميدَهم في رفع المستوى والتحدي بروحٍ رسوليّة وإداء مميز على الرغم من الصعوبات والعوائق. واليوم أصبحت هذه الكلية من أكبر كليات الجامعة ومن أكبر كليات إدارة الاعمال في لبنان مع 2200 طالبًا أي أكثر من نصف طلاب الجامعة، وأكثر من 11 اختصاصًا باللغتين الفرنسية والإنكليزية بحسب النظام الانكلوساكسوني.

 

وبعد ثماني سنوات من التعب والعطاء اوكل اليه سيادة المشرف العام مهام نيابة الرئاسة، مدى ثلاث سنوات، متكلاً على خبرته الواسعة في الإدارة والعمل. ونحن لا نزال نسعى الى تحسين وتحديث إدارة الجامعة وارسائها على أسس علمية حديثة بحسب حاجات ضمان الجودة والتمايز والنجاح. علمًا منا بأن الكلية ليست أكبر من الجامعة بل هي جزء منها ولكن عندما تكبر الكليات تشعّ الجامعة أيضًا وتحلّق كالنسر في فضاء المعرفة والخبرة.

 

حمل الدكتور حبيب الى الجامعة، بالإضافة الى عمله، خبرات عملية ثمينة يفتقدها عادة العمل الأكاديمي. فاستفدنا من مناقبيته والمُثُل التي جسدها بشخصه وكرامته عند نهاية خدمته وهو الذي قرن العلم بالعمل والجديّة بالإخلاص وحسن التصرّف بالشفافية.

 

أمّا هذه القاعة التي ستحمل اسمه، تكريمًا وعربون وفاء، فحسبها ان تشهد لما قام به الدكتور حبيب، خدمة للأجيال، وأن تبقيه معنا رفيقًا في المسيرة التي بدأناها معًا والتي أعطاها من روحه وارادته وإدارته وبحثه الدائم عن الخير العام.

 

صاحب السيادة، شكرًا على التفافتكم الابويّة... دكتور حبيب، شكرًا على ما اعطيتم وتعطون، والشكر لله دائمًا، من يعطي الوزنات ويُحسن المكافآت.

 

المطران مطر

 

وألقى المطران مطر راعي الإحتفال كلمة جاء فيها: كلمة الجامعة قالها مشكورًا رئيسها الخوري خليل شلفون،وأكتفي بالتعبير عن شكر خالص باسم المطرانيّة والأبرشيّة وباسم الجامعة أيضًا للدكتور حبيب أبو صقر العزيز الذي له أفضال كبيرة في المطرانيّة والأبرشيّة كما في الجامعة. سآخذ كلمة من شخص لست من مدرسته إطلاقًا وهو لينين. كان يقول: لا عمل من دون رؤية. لم يخترع هذا الشعار، بل أخذه عن المفكر الإلماني هيغل، وهنا أقبل أن أقتبس. حبيب أبو صقر، رجل الرؤية،قبل أن يكون رجل العمل. والدلالة على ذلك، أنهم اليوم في وزارة الماليّة ومصرف لبنان، ما زالوا بحاجة إلى رأيه ورؤياه ورؤيته. هذه شهادة كبيرة لهذا الرجل الكبير، الذي دخل الإدارة الماليّة في الدولة وإدارتها العامة بالذات وخرج منها نظيفًا عفيفًا. هذا أمر يُسجل له، كما يُسجّل لجميع الطيّبين من شعبنا ومن أهلنا الذين خدموا ويخدمون الدولة والوطن الجدمات الجلّى. نحن نعرف أن هناك مآسي كبيرة يحياها الوطن وأن الفساد مستشرٍ، لكن النظفاء موجودون، بحمد لله. أذكر كلمة قالها الربّ لإيليا النبي، الذي هرب من إضطهاد ملك ذلك الزمان وزوجته، وكان قد تعب من العمل في سبيل الله ومحاربة كهنة البعل وكاد يموت، فذهب إلى الصحراء وقال لرّبه: خذني إلى آبائي، لم أعد أحتمل. أجابه ربّه: لا يا إيليا، ستعود إلى العمل لأني إستبقيت، في إسرائيل ذلك الزمان، سبعة آلاف رجل لم يجثوا على ركبهم ولم يسجدوا للبعل. أليس عندنا سبعة آلاف رجل وامرأة في لبنان؟ لدينا سبعون ألفًا وأكثر. نحن أهل رجاء. لا نيأس من حالنا، بل نقول إن لبنان هذا، فيه من القوة والصلابة، فيه شعب محبّ للحياة ومحبّ للإبداع، ما يجعلنا نثق بمستقبله كلّ الثقة ونجدّد ثقتنا هذه. نحن معكم ، أيها الأحباء، في سبيل مستقبل لبنان. والشهادة التي أدلاها الشعب اللبناني بتعلقه بالديمقراطيّة، على الرغم من كلّ المساوىء للأنظمة وسواها، الشعب دلّ على أنه، متمسك بالحضارة، متمسك بالديمقراطيّة، لذلك لا نخاف. الدكتور حبيب أبو صقر، عمل في هذه الجامعة كجندي مجهول معلوم. طلبنا منه مع المونسنيور جوزف مرهج، حضرة رئيس الجامعة آنذاك، أن يكون عميدًا لكليّة لم تتأسس بعد. بدأ في هذه القاعة التي ستحمل اسمه، مع كوكبة من الطلّاب، وقَبِل وهو المدير العام لوزارة المال بمكتب متواضع إلى جانب هذه القاعة " وعا قلبو متل العسل". هذه صفة تواضع، لا يعرفها إلا الكبار. هذه صفة محبّة للمطرانيّة وللحكمة، نحن نشهد لها كلّ الشهادة. الدكتور حبيب هو أيضًا في مطرانيّة بيروت المارونيّة مع بعض الرجال من أهل الإختصاص والمال والإدارة في لجنة نستشيرها بكلّ أمورنا الإقتصاديّة. عمل في هذه اللجنة لوجه الله، منذ خمس عشرة سنة، وما يزال وهو من يعطي النصح والكلمة الحلوة. دكتور حبيب ليس كثيرًا عليك،أن نذكر اسمك على هذه القاعة. نحن أهل وفاء وأنت خير من يستحق، أن يُذكر اسمك في هذه الجامعة،ما بقيت وما بقي طلّاب يفيدون إلى كلية العلوم الإداريّة والماليّة لينهلوا منها العلم الوفير. شكرًا لك يا حبيب، نحن لك مدينون ولكنّ الله هو الذي يُجازي وقد جازاك بمحبّة الناس لك، وهذه الكوكبة الحاضرة اليوم، تعني أنك في قلوبهم وأنك في قلب لبنان.

 

الأستاذ جوزف الهاشم

 

ثمّ ألقى الوزير السابق الأستاذ جوزف الهاشم كلمة عن الدكتور أبو صقر الذي عرفه عن كثب يومًا كان وزيرًا للماليّة، وجاء فيها:

مئـة وأربعون مـن السنين وأكثـر ، ومـا كفَّـتْ أمُّ البـنينَ عـن الـدفْقِ ، واللِّبـانُ شهـيٌّ كما السلسبيل . . وأنـا من المَعيـنِ نهـلْتُ عسلاً مقدسـاً مـن رأس الحكمة ومخـافةِ الله ، وفـي محرابها اليـومَ أرفـعُ الجميلَ ابتهـالاً .

إسمها المنـتقى فلسفـيُّ العراقـة ، والفلسفةُ في أصلهـا اليوناني تعنـي الحكمـة ، ورئيس الحكمة عريقٌ منتقى حمل منذ انطلاقتها مَشْعـلَ الرسالة حكمويـةً تربويـةً وطنـيةً مجلِّيـة ، فكأنما إِسـمُ المطران أيضـاً هو مرادفٌ للحكمـة .

عظمـةُ الحكمةِ فـرادةٌ لم تقتصر بهـا على إتقـان العلم والمعـرفة ، بـل هي شنَّـتْ حرب المواجهـة على مـا كان يُعـرف بتدجـين التوثُّـبِ والجمـوح الشبابي كأنما هو شأن تربوي ، فإذا هي صنَّاعـة رجـال وطنيـين يقتحمـون الحياةَ مطواعـةً على وقْـعِ صهيل الخيل .

وثمـة مأثـرةٌ دامغةٌ تميزت بهـا الحكمة متفوقـةً بتلقيـنِ اللغة العربية على أنها ظاهرة لغوية التصقت بالشخصية اللبنانية والوجـدان الثقافـي فبـرع خرِّيجوهـا والـرعيل الأدبـي المسيحي رواداً ميامين فـي عصر النهضة التاريخية ، فأنقـذوا اللغةَ العربية من التحريف والتشويـه والتتريك حتى قيـل : إن ابراهيم اليازجي علَّـم العربَ لغـةَ العرب ، وجرجـي زيدان كتـبَ للمسلمين تاريخَ الإسـلام .

إنها الحكمة التي حـوّلت التاريخ أسطـورةً للكبائر تعرف كيف تكرّم الكبار فكان من خياراتهـا الحسنى ، الحكمويُّ المتألـق الدكتور حبيب أبو صقر . . . وقـل يا سيد الحكمـة هؤلاء أبنائـي فجئنـي بمثلهم .

عرفتـه مديراً فـي وزارة المالية يـوم تسلمتها خلفـاً للرئيس كميل شمعـون سنـة 1987 ، والمديـر فـي الوزارة هو رأسُ الهـرم الإداري . . الـوزير رحّـالةٌ ويمضـي ، والمدير هو الثابت ، وهـو المسؤول الأصيـل . المديـر الطالحُ هو الذي يـبتدع المخـارج للوزير للتحايـل على القانون .

والمديـر الصالح هـو الزاجـر الذي يصـوِّب انحـراف الوزير الى القرار الأصـحّ . . . وصـدفَ أن كان بيني وبين الدكتور حبيب أبو صقـر شبَـهٌ ، فلم يضـطرَّ أحدنـا الى تصويب انحـراف الآخـر .

هذا المديـر ، لـم يكن في الزمن الصعـب ، زمنِ الحـرب يقوم بوظيفـة إداريـة مالية وكفى . . . بـل كان الجنـديَّ الفدائـي الذي اجتاح خطوطَ التماس وأكيـاسَ الـرمل مستـخفّـاً بالخطر ، ليـؤمَّنَ الحاجياتِ الماليةَ للدولـة وأجهزتها في المنطقتيـن .

وفيما كـان يندر يومها أن يكـون في لبنان رجـل يستـقطب الثقـة الجامعة من مختلف المناطق والقـوى المتواجهة كان الدكتـور حبيب أبـو صقـر . هـذا الرجل الـدائب الجنـى ، أبـى أن يكون مسؤولاً مرحلياً بما أعطى وأنجـز ، بـل كان يؤسّـس الى مرحلـة ما بعد الحرب عبـر اقتراحاتٍ تحفِّـز النهوض الإقتصادي والمالـي متوافقة مـع معايير البنك الـدولي ، فطالب بإنشاء صندوق دولـي لإعمار لبنان على غـرار مشروع مارشال للـدول الأوروبية فـي أعقاب الحـرب العالمية الثانيـة .

وهـذا الصقر الجامح تألَّـق أيضاً فـي رحاب الآفـاق العربية والعالميـة فتولَّـى مَـنْصِبَ حاكـمٍ ونائبِ حاكم لـدى البنك الدولي للإنشاء والتعمير ، واختـيرَ رئيساً للجنـة تطويـر الأنظمة الماليـة في الجامعة العربيـة ، مثلمـا احتلَّ عضويةَ المجموعةِ الدولية للخبـراء الماليـين في منظمة الأونيسكو فـي باريس . وإذا شئـتَ أن تواكب هذا الرائـد الخـلاّق : في سيرتـه ومسيرته ، مـؤهِّلاتٍ وشهاداتٍ واختصاصات ، وفـي المهـام والوظائف والنشاطات ، وفي الأبحاث والدراسات والمحاضرات في لبنان وسائـر المحافـل الخارجية ، لاحتجْـتَ الى كتابـة الملاحم عـن رجل يشكَّل كوكبة من الرجال المتلألئـين في الأفلاك الإبداعية العُلـى .

عندما شَـغَرتْ منـاصبُ الـدولة من أمثال حبيب أبـو صقـر ، أصبحت الـدولة مـزرعة وأصبح لبنان مغـارة للصوص .

هـذا اللبنانُ المطـيَّـبُ بالتقديس كما جـاء في الكتاب المقدس . . . وهذا الجبـل الذي وصفـه حديث نبـويُّ بأنـه واحد من جبـال الجنّـة .

وهذا اللبنان الرسالة ، لبنـان التاريخي ، ولبنـان الحضاري ، النادرُ الوجودِ والعالميُّ الحدود ، أصبح اليوم كأنه جزيرة في محيط لم يكتشفها بعد كولومبس .

ولأنّ "الأمَّـةَ : عاقلُها أبْـكم وقويُّها أعمى" ، كمـا يقول إبـن الحكمة جبران خليل جبـران ، فإننا اليوم مـا زلنـا مجمّـدين في التاريخ بفعـل تلـك المـادة السحريـة القاتلة التي إسمهـا الحالةُ الطائفيـة وازدواجية الـولاء .

وإن أخطـر مـا يتلقـاه لبنان بالعدوى مما يعانيه العالم العربي والإسلامي ، هـو هذا الإندماج اللصيق بين مادية الـدولة وروحانية الرسالات بما استبيح باسم الديـن من اجتهادات وثـنية تجعل من الإنسان وحشاً دينـيّاً في مجاهل اغتيال الحضارة وإعـلان مـوتِ الله وعبادة أصنـام اللحم .

هـل نستذكـر ذلـك الإستباقَ الحضـاريَّ لحكيم الحكمة المطـران يـوسف الدبس عندمـا استحصل مـن السلطة العثمانية على إجـازة لتعليـم الحقوق فدعـا الشيخ يوسف الأسير وشيخـاً من آل اليافي الى تعليم الفقـه الإسلامي في مـدرسة الحكمة ، كأنمـا هـو كان يستـشرف طوالع الزمـان إنقـاذاً للحضارة وصورةِ الله فـي الإنسان .

فـي زمـن انشطار الحقيقة الدينية وكسـوف العقل لا بـدّ من الحكمة .

وفـي زمـن انعدام القيـم لا بـدّ من أن ينتـفض القلـمُ صارخاً ساطعاً بالحق : إنـه المعلِّـمُ والمفكّر والمصلح والمتمرد والثائـر والمحـرر . . هذا شاعر مـن عندِنـا يَـجْـبَهُ الشـكَّ هـاتفاً .

قـالَ الفرنسيُّ قـولاً قـدْ جـرى مثلاً تناقلَتْـهُ الليالـي مِـنْ فـمٍ لِـفَمِ

لـم تُـنْـتِجِ الثـورةُ الكبـرى لنـا ثمراً لـوْ لـمْ تواكبْ خُطـاها ثـورةُ القلمِ

مـا هـدَّ أعمـدةَ الباستيـلِ مِـدفعُنـا بـلْ هـدَّها قـلمٌ يُـرْغى مِـنَ الألَـمِ

الحكـمة أيها السادة صـرحٌ وطنـي هـي : وعقـلٌ وفكـرٌ وقِـيمٌ وقـلم ، حسبْها أن تستـمّر فـي رسالة السالفين كمـا فـي تكريم مـواكب الميامين ، وبهـذا يكون إنـتصـار لبـنان .

 

كلمة قدامى الكلية

 

ثمّ ألقى الأستاذ ميشال كرم كلمة تلامذة المحتفى به وقدامى كليّة العلوم الإداريّة والماليّة، تحدّث فيها عن حبيب أبو صقر الأب والصديق والموجّه والناصح والمرشد" الذي يحمل هموم الوطن وأبنائه، ".وقال:

بدايةً، أتوجَّهُ بالشُّكرِ الجزيلِ من حضرةِ رئيسِ الجامعةِ الأب خليل شلفون الذي شرَّفَني بأن كلَّفني إلقاءَ كلمةِ الدُفعةِ الأولى من الطلابِ الذين تخرّجوا من كليّةِ العلومِ الإداريّةِ والماليّةِ في جامعةِ الحكمةِ في عهدِ الدكتورِ حبيب أبو صقر أولِ عميدٍ لها. كما أتوجَّهُ بالشكرِ الكبيرِ من وليّ الجامعةِ وراعي هذا الاحتفالِ سيادةَ المطرانِ بولس مطر السامي الاحترام على جهودِهِ المستمرّةِ في إعلاءِ شأنِ هذه الجامعةِ وكلِّ الصروحِ التربويّةِ التابعةِ لمطرانيّةِ بيروتَ المارونيّةِ التي تلعبُ دورًا رائدًا على المستوى الوطنيّ والعلميّ والأكاديميّ.

أشعرُ اليومَ وأنا أقفُ أمامَكم لألقيَ كلمةَ رفاقي الخريجينَ بالفخرِ وبعرفان جميلٍ عميقٍ لمَن أناروا لنا دربَ العلمِ والمعرفةِ وأخصُّ من بينِهم الدكتور حبيب أبو صقر الذي كانَ لنا الأبَ والمرشدَ والسندَ بما عندَهُ من عِلمٍ ومعرفةٍ وخبرةٍ ومحبّةٍ للشبابِ الجامعي وقدرةٍ على التشجيعِ والمساعدةِ.

ففي أولِ سنةٍ من سنواتِهِ كعميدٍ لكليّةِ العلومِ الإداريّةِ والماليّةِ، كان مكتبُه يُلاصِقُ صفوفَ الطلابِ وكان بابُهُ مفتوحًا دومًا لكلّ طالبٍ يَقصدُهُ لتلمُّسِ طريقِهِ أو لسماعِ نصيحةٍ أو الاستفادةِ من مشورةٍ.

تفانى الدكتورُ ابو صقر في عمله وكان مثالاً يُحتذى بهِ في صِدقِ القولِ، وشرَفِ التعاملِ ومجانيَّةِ الخدمةِ في كلّ مواقعِ المسؤوليّةِ التي عُهِدَت إليهِ، سواءً أكانَ في الجامعةِ أو في وزارةِ الماليّةِ أو غيرِها.

فأثمَرَت جهودُه وجهودُ القيّمينَ على الجامعةِ نجاحًا لطلابِ الجامعةِ كخِرّيجي الدُفعةِ الأولى من كليّةِ العلومِ الإداريّةِ والماليّةِ الذين احتلّوا بِفَضلِ ما اكتَسَبوهُ من علمٍ ومعرفةٍ، مراكزَ مهمّةٍ في لبنانَ والخارجِ، فمن بينِهم مُدراءُ لشركاتٍ كبيرةٍ وخُبراءُ محاسبةٍ وأصحابُ مكاتبَ تدقيقٍ ومحاسبةٍ. فألفُ شكرٍ لجامعةِ الحكمةِ ولوليِّها ولرئيسِها واساتِذَتِها وللدكتورِ حبيب أبو صقر على كلّ جهودِهم في سبيلِ الطلابِ ليكتَسِبوا العلومَ والمهاراتِ التي تؤمنُ لهم مكانةً أفضلَ في عالمِ اليومِ والغدِ. وكم نتمنّى لو أنَّ لبنانَ اليومَ يكونُ على قَدرِ طموحِ شبابِهِ، وطنًا معافى يسعى فيهِ حكامُّه إلى تطويرِه بدلاً من تَضييقِ الخِناقِ على أهلِهِ فيُهاجرَ عن ارضِهِ كلُّ من يستطيعُ أن يُساهمَ في بنيانِهِ، وكم نتمنى لو أنَّ الحِسَّ الوطنيَّ يكبُرُ داخلَ كلِّ مواطنٍ فيعودَ لبنانُ وطنَ الإنسانِ الذي أوجدَ الحرفَ ونشرَ المعرفةً والحضارة في كلِّ العالمِ. وفي الختامِ، أكرّرُ بإسمي وإسم رِفاقي خِرّيجي الدفعةِ الأولى من كليّةِ العلومِ الإداريّةِ والماليّةِ، الشكرَ الوفي للدكتورِ حبيب أبو صقر متمنّيًّا له دوامَ الصحةِ وطولَ العُمرِ، ولجامعة الحكمة دوام التقدّم والازدهار.

 

الدكتور حبيب أبو صقر

 

وقبيل إزاحته الستار مع المطران مطر والخوري شلفون عن لوحة تحمل اسمه، ألقى المحتفى به الدكتور أبو صقر كلمة جاء فيها:

بعد انقضاء زمن على عبوري هذا المكان وبعد ان اوشكت دورة الحياة ان تكتمل وفصولها ان تنتهي ، إسمحوا لي ان آخذ نفساً عميقاً لاستذكر حدثاً ولد هنا ونما وكيف كان شعوري ازاءه والمتغيرات خلال المسيرة الطويلة التي مشيناها.

قبل خمسة عشر عاماً وقفت على هذا المنبر في هذه الصالة بالذات لاعطي أول درس لطلاب كلية العلوم الادارية والمالية بعددهم المحدود جداً في السنة الاولى لقيام هذه الكلية .

في تلك اللحظة تهيبت الموقف وبدت امامي صعوبات الطريق واحتمالات الفشل التي في حال حصولها ستكون تداعياتها خطيرة على الجامعة وعليّ شخصياً. في الحقيقة كلما كانت محاذير الفشل أكثر احتمالاً كلما كان العمل والجد لتدارك هذه الاحتمالات أقوى وافعل ، على هذا اشتعلت جهود استثنائية بُذلت واخرى تضافرت فأوصلت هذه الكلية في وقت قصير نسبياً الى نتائج اكثر من استثنائية. إن الموقف الذي تهيبته في بداية المسيرة قد أصبح مصدر فرح وطمانينة وراحة ضمير في نهايتها . لقد تحققت المهمة التي أوكلت الينا في نقل الحلم الجميل للجامعة من الخيال الى الحقيقة ومن الصورة الى الواقع على ما جاء في كلمة سياداة المطران مطر في يوم التكريم في 2009 في احتفال حاشد في عام 2009 بادرت الجامعة الى تقدير الجهود والتضحيات في تأسيس هذه الكلية وتطويرها وان تكرمها عبر شخصي واليوم ارادت ان تقوم بعمل يبقي هذه الجهود والتضحيات حيّة في ذاكرة فشكراً لها .

غير ان هذا التكريم والتقدير يجب ان يذهب ايضاً الى كل من خطط ورعى وعمل وكدّ وجهد الى سيادة المطران بولس مطر وليّ الحكمة وبانيها ، باني الأبنية الحديثة والإختصاصات الحديثة التي اضيفت الى اختصاص وحيد كان قائماً قبلاً هو معهد الحقوق ، ثم الى المونسنيور جوزف مرهج الذي عمل على تحقيق المشروع الجامعي الجديد بمبادراته وجرأته وتنظيمه ومواكبته ، والى خلفائه بعده، ثم الى اعضاء الهيئة التعليمية والجهاز الاداري الذين تفانوا في الاخلاص والعمل للجامعة وخدمة اهدافها .

لم يكن هذا العمل التأسيسي في الجامعة الوحيد لي بل قمت وساهمت بأعمال تأسيسية على الاصعدة المحلية والاقليمية والمهنية وفي القطاع العام . ان التأسيس في القطاع العام هو خلق مشروع جديد يغيّر الوضع القائم بشكل جذري او ينشىء وضعاً جديداً أكثر راحة وعدالة للمواطنين. انه بإختصار كل ما لا يمكن اعتباره تسييراً للامور العادية . غير انه في القطاع العام ثمة عقبات اساسية تحول دون وصول العمل التأسيسي الى خواتيمه. في هذا القطاع يجب ان ينال كل عمل تأسيسي تاييد وموافقة جمهرة كبيرة من المسؤولين السياسيين والاداريين والرقابيين ، ناهيك عن التطبيق . وبفعل تضارب المصالح والولاءات والنظرة الى الامور فإن الكثير من المشاريع التأسيسية تُخنَق في مهدها وإذا قيّض لمشروع ما ان يبصر النور فكثيراً ما يصدر مشوها ً او فاقداً مبرراته أو خارجاً عن زمانه ويبقى طاغياً في الساحة ما يسمّى بالروتين الاداري. اما القطاع الخاص فيستولد الحلول للمشاكل من رحم آليات داخلية يعتمدها وتنطوي هذه وفي الوقت ذاته على حوافز تشجيعية لاصحابها . لذلك، وفي إطار العولمة التي تأخذ بها سياسات الدول والتي تعتبر الحكومات عملياً كمجالس ادارة لشركات أعضاؤها المواطنون يجوز الاخذ ببعض آليات العمل التي يستعملها القطاع الخاص كلما كان ذلك مناسباً ومفيداً . فالآليات في هذا القطاع من شانها في أحيانٍ كثيرة ان تكشف حقيقة اوضاع معينة فيصبح من الصعوبة بمكان تجاوز الحقيقة المكتشفة لهذه الاوضاع وغضّ النظر عن الحلول التي تفرض نفسها . ان احد الامثلة في هذا المجال هو اعتماد ما يسمّى بموازنة البرامج في القطاع العام المرتكزة على معرفة الكلفة الحقيقية لكل نشاط والوحدة القياسية فيه وتسليط الضوء على منقذيه ويعتبر هذا المشروع المدخل الاساس لاصلاح الدولة . لقد سبق وكتبت عن هذا المشروع في بداية الثمانينات من القرن الماضي ووضعت في ذلك الوقت نموذجاً عملياً عنه في الاطار الاقليمي (جامعة الدول العربية) فيما بدات بعض الدول مؤخراً في اعتماد احدى صيغه ومنها فرنسا في عام 2006 . هذا ويمكن للادارة المالية عندنا الاضطلاع بهذا المشروع فيما لو اعطيت الامكانيات اللازمة وامكن بهذا الخصوص التغلب على عقبات تشريعية وتطبيقية كبيرة لا بد من ان يواجهها .

اعود الى الحكمة ، الى تاريخها الناصع والعابق باجمل الذكريات واصدق العبر. ففي عام 1875 نزل المطران يوسف الدبس من الجبل الى محلة الاشرفية في بيروت ليؤسس مدرسة وطنية، مدرسة الحكمة ، ازاء المدارس التي اقامتها البعثات الاجنبية الوافدة الى بلادنا. لقد اراد ان يثبت جدارة اللبنانيين وتجذرهم بالعلم والمعرفة وان يوحّد النشىء اللبناني من كل الطوائف والمناطق على الانفتاح والروح الوطنية الحقة، وليحافظ على التراث الذي درج عليه رجال الكنيسة وابناؤها في المحافظة على لغة الضاد والتأليف والابداع فيها . لقد كان من الحكمة كبار الشعراء والكتّاب ورجال الاختصاص العالي وسأذكر واحداً منهم ذي شهرة عالمية خلّدت الحكمة اسمه في القاعة الرئيسية لنادي الخريجين فيها هو الكاتب والشاعر والفيلسوف والرّسام جبران خليل جبران.

وفي عام 2000 وبعد ان تمزق الوطن اشلاء ، مذاهب وطوائف ومجموعات تقوقعت في مناطق شبه مغلقة ، نزل المطران بولس مطر من محلة الاشرفية في بيروت الى منطقة فرن الشباك التي اصبحت على تماس مع كل المناطق. لقد اراد ان تكون الحكمة قريبة من الجميع ليبني جامعة بمعناها الاصلي، جامعة تجمع بين ابناء الوطن الواحد بجميع فئاته ومناطقه وليستانف الدور الطبيعي للحكمة في الانفتاح واحتضان الجميع وغرس الروح الوطنية الجامعة التي ميّزت على مدى الزمن رسالة الحكمة وخريجيها. لا يذكر التاريخ في بناء الاوطان والامم الا اناساً كانوا هم الروّاد وهم القدوة، اناساً جعلوا عملهم رسالة ولم يجعلوها مجلبة لنفع او جاه او سلطة ، ولنا كل الامل بأمثال هؤلاء وفي لبنان الكثيرون منهم ليبقى هذا الوطن وليُبنى وينهض من جديد.

أشكر رئيس الجامعة الخوري خليل شلفون على توجيه الدعوة الى هذا الاحتفال والى توفيره كل امكانية تؤول الى نجاحه واتمنى للجامعة في بداية رئاسته لها كل خير وتقدم وللخوري خليل الكثير من الامكانيات والقدرات في تحقيق ذلك. اشكر الخطباء الذين توالوا على التقديم والكلام، معالي الوزير جوزف الهاشم على صدق عاطفته وبليغ كلامه وهو الذي يحسن ان يلبس الحقيقة بكلامه الانيق اجمل الحلل وابهاها، واعتز بالفترة التي رافقته فيها في وزارة المالية في آخر الثمانينات وأظهر فيها كل كفاءة واخلاص وتجرّد.

اشكر اصحاب المعالي والسيادة والسعادة وجميع المقامات الحاضرة او الممثلة بيننا ، المقامات الدينية والقضائية والعسكرية والإدارية والمالية والاكاديمية والمهنية ونعتذر من الكثيرين من الأصدقاء الذين رغبوا في الحضور وإنما الحرص على اقامة هذا الاحتفال في هذه القاعة بالذات بالنظر لرمزيتها والقدرة الاستيعابية المحدودة لها قد حال دون ذلك . قد لا تقوى كلماتي على حمل هذا الكمّ الكبير من التقدير لشخصكم ونبلكم ووفائكم . ان هذه اللوحة المثبتة على مدخل هذه القاعة ستظل شاهدة على مر الزمن على انه اذا كان للاعمال والتضحيات رجالاً فإن للنبل والوفاء رجاله ايضاً.

عاشت الحكمة بجامعتها ومدارسها وانديتها وخريجيها ، عشتم جميعًا عاش لبنان.